ذكرى يوم الوحدة الوطنية.
في يوم الوحدة الوطنية.
قبل ثلاثة و أربعين سنة، تقررت الوحدة الوطنية بين صفوف
و مكونات الشعب الصحراوي؛ عاملا أساسيا لإنجاح الثورة المستعرة حديثا. كانت و ما تزال الوحدة الوطنية شراع الوطن الهادي إليه و كانت القبيلة و القبلية و ما تزال الزلزال المتربص بصخرة الأمان الوطني و صمامه.
و لتحقيق الوحدة الوطنية آنذاك تحولت الجماعة المكونة من شيوخ القبائل إلى مجلس وطني جامع .. التمثيل فيه للمواطن لا القبيلة، و انتهت طوعا و قسرا الممارسات الاجتماعية البالية المفضية للتشرذم و المكرسة للفوارق الطبقية و الموغلة في ماضي " الفركان" و عصبية الجاهلية، و حلت محل كل ذلك الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بمبادئها الثورية الرنانة، و تقدميتها المشعة بقطيعة لا عودة بعدها لبراثن الرجعية و التخلف.
انتهت القبيلة حينها، و لم يعد بين الصحراويين سيدا أو مسود، كلهم سواسية أمام سلطة التنظيم الذي اختاروه ممثلهم في الحرب و السلم، انتهت القبلية إلى عدميتها كما وصفها الشهيد الولي مصطفى السيد، و أصبح مجرد الحديث عن الأنساب وصمة عار قبلية، يلف صاحبه بحبل مشنقة نبذ الجماهير؛ الجماهير التي تردد شعار" يا القبلي أف أف يا الخنزير يا المتخلف"، الجماهير التي وحدها نسب براق؛ جبهة البوليساريو و الدولة الصحراوية.
لكنها، أي القبلية عادت و إن بلبوس جديد، بطائل حجة أخرى و أسباب قاهرة، و امتطى ماردها صهوة إستفتاء تقرير المصير، و بغمرة فرح الإنتصار الوشيك غفل البعض و تغاضى أخرون عن سم تحديد الهوية المدسوس بحلق التنظيم السياسي للجبهة، بُعِث شيوخ القبائل مرة أخرى و عادت الألسن تلوك الأنساب و بدأت فراغات الفوارق الطبقية تتسع شيئا فشيئا من جديد.
و بلغة متفائلة يمكننا القول أن مبتغى الإستفتاء لم يتحقق بعد، بيد أن السؤال الكبير هو : هل كان الإستفتاء الملغوم هذا يستحق مجازفة بعث شؤم القبيلة من جديد ؟؟
لا أدعو هنا لمحاسبة الماضي و أهله، و إن كان حاضرا مستمرا نعيشه و نجد مخلفاته، لكني حتما أدعو إلى محاولات جريئة لقطع رأس أفعى القبيلة العابث فينا، هذا لأن التجربة أثبتت صلابة الشعب الصحراوي أمام محنه، والشعب الذي رضي بالوحدة الوطنية منهاجا و ممارسة قبل أكثر من أربعة عقود، لا شك أنه راضي الآن أيضا بكل إجراء من شأنه إعادة قطار الوحدة الوطنية إلى سكته؛ سكة ممارسة الوحدة و الشعور بها لا الإكتفاء بها شعارا و حديثا غابرا تقرع له الطبول صباحا و ينفض جمعه ضحى.
لقد كرست جبهة البوليساريو مفهوم الدولة في نفسية الإنسان الصحراوي ووجدانه، و شغلته بانتمائه لوطنه رغم حالاته الإستثنائية و مظاهر الشتات و اللجوء و الحياة تحت وطأة الإحتلال المغربي، فالإنسان الصحراوي مؤمن بالمؤسسة؛ حقه فيها وواجبه نحوها، لهذا يعتبر أي خلل يصيب الجسم الصحراوي من مسؤولية جبهة البوليساريو وحدها، و ما عودة شبح القبلية و تمططه العفن بالمنظومة السياسية و الإجتماعية للشعب الصحراوي إلا أحد هذه الإختلالات البارزة إن لم يكن أهمها.
سنوات قليلة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو و المغرب، و الشروع في إجراءات إحصاء المصوتين الذين يحق لهم ذلك ، استعانة ببعبع شيوخ القبائل، دخل مشروع السلام نفقه المظلم، و لم يعد بين يدي الصحراويين سلاما بينا و لا حربا جلية، و بداخل هذه المنطقة الرمادية انتشرت القبيلة كبقعة زيت نتنة، ذلك أن وجود مجلس أو غرفة استشارية لمن يسمون و يشغلون صفة شيوخ القبائل هو أكبر خطأ نسفت به البوليساريو كل جهود الوحدة الوطنية السابقة.
و القبيلة الآن أخطر مما كانت عليه، ذلك أن المعضلة قد لا تكون في عدم وجود مؤسسة ما بل الخطر في هدمها بعد بناء أو تمييعها و تكييفها حسب أمزجة القبليين، ووجود شيخ القبيلة يخلق ازدواجية في نفسية المنتمي إليها و يبعثر ولاءه، ووجود القبيلة يوزع انتماءه بين الوطن الكبير و الحاضنة الاجتماعية الدنيا.. و هنا أعتقد أن أول إجراء تصحيحي تقوم به سلطة التنظيم السياسي للجبهة هو حل المجلس الإستشاري، و فك الإرتباط المعنوي المؤسس بين الفرد و ما يعتبر قبيلته، و تعزيز سلطة المؤسسات الوطنية المعنية بالتأطير و متابعة النمو الديمغرافي، و بسط هيبة المؤسسات القانونية المجسدة لحقيقة المساواة أمام القانون و حتمية الإحتماء به دون سواه.
النانة لبات أرشيد