تداعت أقلام نخب الجوار ترحابا و تهليلا ببعض مما جاء بخطاب ملك الإحتلال عشية احتفاله بذكرى ظلمه و طغيانه، و ادعت- و طبع معظمها الإدعاء- أن رسائل حسن الجوار و دعوة المصالحة المزعومة، و التي قدمها سادس المغرب للجزائر بادرة " شريفة" و تنازلا مهيبا من "جلالته"، على الجزائر استيعابهما و السماح لشعوب المنطقة "بالحياة المنسجمة الكريمة.".
و الحقيقة أن نخبا مبهورة بالقشور موسومة بقصور النظر لا ينفع معها تصليح تضليل و لا تفنيد ادعاء ، ذلك أنها جبلت على نكران حق المستضعفين متى وجدوا عائقا دون استكمالهم حقوقهم، بيد أن الكلمة الحقة لابد و أن تقال و تكرر حتى تثقب الآذان الصماء و تنفذ للقرائح المشوشة.
و تناقض هذه النخب و ما يخلفه من تقزز بالخواطر لا يحتاج بينة، و أوله التطبيل لفقرة من خطاب ممجوج دون الإنتباه للمناسبة التي ورد فيها، فما يسميه النظام المغربي عيد المسيرة، و استرجاع الصحراء هو تاريخ احتلال بالغصب و القوة، و المغرب الذي استقل عن فرنسا سنة 1956، احتل الصحراء الغربية بعد استقلاله ب تسعة عشر سنة ، و خلال هذه السنوات لم يعلن المغرب عن استقلال غير كامل رغم وجود - و لغاية اللحظة - مدينتي سبتة و مليلة محتلتين.
فكيف يمجد مثقف واعي اي كلام مهما كان صوابه، قيل في مناسبة بغيضة كذكرى الإحتلال ؟؟
و النخب المتناقضة لا تحمد لمصر اتفاقية كامب ديفيد و فرض التطبيع و السلام مع إسرائيل، ذلك أن قوة مصر آنذاك كانت رادعا لاسرائيل و حاجزا دون استتباب سيطرتها على كامل فلسطين، و النخب هذه لا تشكر للأردن ما فعلته باللاجئين الفلسطينيين ذات أيلول أسود و تطبيعها مع إسرائيل، و مصر و الأردن محيط جوار بفلسطين و أولى الدول العربية بالذود عنها، لكن النخب ذاتها تدعو الجزائر سرا و علانية التنكر للشعب الصحراوي و قضيته و قبول شروط المغرب و إملاءاته و أولها التخلي الجزائري عن دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، تدعو هذه النخب المقززة الجزائر لهكذا فعل مخجل، رغم أن الجزائر البلد العربي الوحيد الذي كافح الاستعمار ببسالة و شجاعة لا خلاف على فحواه.
و النخب المتناقضة هذه تفضل تصديق الصراع الكيدي المزعوم بين الجزائر و المغرب و ترفض تصديق أن أحد هذين الطرفين احتل أرض شعب آخر و شرده، فالمنطق الذي يجعل كيد المغرب للجزائر أو العكس ممكنا هو نفسه المنطق الذي يجعل من احتلال المغرب للصحراء الغربية ممكنا و قابلا للتصديق كذلك.
و النخب إياها التي تلقت بمغزى احتفالية مئوية الحرب العالمية الأولى- رغم أن ثانية أشرس منها أعقبتها - ما تنفك تنبش في جراح الصحراويين و أشقائهم الموريتانيين، متكئة على نصل هنا و رامية برمح هناك.. و كأنه حلال على الأوروبيين تجاوز آلام الحروب حرام علينا!
و النخب المعنية، لا تكاد تخفت أصواتها دفاعا عن صحفي هنا حتى تتعالى من جديد دعوة لانصاف سياسي هناك، لكنها صماء خرساء عن حق شعب بأكمله، يعيش ممزقا بين الملاجئ و دول الشتات، و كأن الفرد الصحفي أو السياسي أنصع مبادئ و أعتى عن الاستغلال البيني من شعب بأكمله كالشعب الصحراوي.
و النخب التي أعني ينطبق عليها مثل حساني واحد " كراية ول ادحي، ذي نعرفها و ذي ما نعرفها" و جوابنا لها في كل أقوالها المتناقضة: " أخيار كلامك يا أما كعدي عليه " .
النانة لبات الرشيد