أسفرت تطورات القضية الصحراوية خلال العامين الماضيين عن متغيرات كثيرة أهمها اثنان: أولهما، انضمام المملكة المغربية للإتحاد الأفريقي بعد قطيعة مع الاتحاد وأصله “منظمة الوحدة الإفريقية” دامت ثلاث وثلاثين سنة، وثانيهما، تقارب إيجابي كبير بين الدولة الموريتانية والدولة الصحراوية، مُحورا الفعل الدبلوماسي الموريتاني من حياد سلبي تجاه القضية الصحراوية إلى حياد إيجابي فعلي، يمثل بحق موقف دعم لسيادة القانون والشرعية الدولية في ما يتعلق بمطالب الشعب الصحراوي العادلة في تقرير مصيره واستقلاله.
ولعل المستفيد الأكبر من انضمام المملكة المغربية للإتحاد الإفريقي هو موريتانيا، فقد وقّع النظام المغربي على ميثاق الاتحاد الافريقي وبه عضوية الجمهورية العربية الصحراوية لا رجعة فيها، كما أن به جملة مبادئ أساسية تحتم على المنضويين في الاتحاد احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، واحترام استقلال الدول الأعضاء كأنداد، والامتناع عن حل النزاعات باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها. وبهذا التوقيع، وإضافة إلى تقبله -مكرها- وجود الدولة الصحراوية بكافة المحافل القارية، يكون النظام الملكي في الرباط قد قضى نهائيا على دعاية “الدولة الوهمية” و “المغرب من طنجة إلى لكويرة” وأهم من كل ذلك، فقد الحجية في اعتراضه الدائم على كل أصدقائه عند أي تواصل بينهم وبين ممثلي الجمهورية الصحراوية.
وبالتالي زال الحرج الكبير الذي كان يواجه موريتانيا عند أي محاولة تقارب مع الدولة الصحراوية بما يجعل النظام الموريتاني أقرب إلى نصرة الشعب الصحراوي، ذلك أن الحياد الذي انتهجته موريتانيا حفاظا على مصالحها مع المغرب وفرنسا طوال السنوات الماضية كان متأثرا بشكل أكبر بالطرح المغربي من خلال تغييب التمثيل الرسمي للدولة الصحراوية بشكل تام. وبعد اعتراف المملكة المغربية بالدولة الصحراوية، شاءت الإقرار بذلك أم أبت، من خلال تواجدها معها بالاتحاد الأفريقي، وجدت موريتانيا نفسها في حِل من ضغوط النظام المغربي ولوبياته الرافضة سابقا أي تقارب رسمي بين موريتانيا والجمهورية الصحراوية.
من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن موريتانيا قد عرفت خلال عشرية حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز حضورا قاريا ودوليا لافتا، تولت خلالها رئاسة الاتحاد الأفريقي الدورية بنجاح، ووفقت في وساطاتها الدولية في أزمة غامبيا مثلا، وتصدرت خلالها أيضا قوة الساحل والصحراء، وأحكمت قبضتها الأمنية على كافة التراب الموريتاني مما مكنها من النجاح في التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود. وقد انضاف ذلك إلى إحداث معالم نهضة اقتصادية واعدة بفعل اكتشافات الغاز والعديد من الاتفاقيات الاستثمارية مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الشركاء الدوليين.
بيد أن النظام الموريتاني يدرك أن نجاح و استمرار أي تطور في المنطقة مرهون بالاستقرار والسلام، وأن هذين الأخيرين مرهونيين بحل القضية الصحراوية. وقد صرح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في لقاء صحفي خص به مجلة رأي اليوم الإلكترونية، بأن الغرب هو من يعرقل قيام الدولة الصحراوية بين المغرب وموريتانيا. ومعلوم أن القوى الغربية لا تمنع إلا ما يهدد مصالحها ولا تسمح إلا بما يخدمها، ومصالحها تكمن في ضعف الدول الغنية بالثروات، وتكمن أكثر في الحد من التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد المغاربي المجمد. ويستشف كذلك من تصريح الرئيس ولد عبد العزيز إيمانه بحق الشعب الصحراوي في قيام دولته وعدم نكرانه وجود هذه الدولة، وإن حالت القوى الغربية دون استكمال سيادتها.
والحديث عما يربط الشعبين الموريتاني والصحراوي يطول و يصعب حصره. ويكفي أن ننظر إلى الحدود الشاسعة التي تربط بين البلدين جغرافيا بدل أن تكون فاصل بينهما، وإمكانية ولوج من شاء من الشعبين إلى الجغرافيتين دون أي حواجز أو معابر، ناهيك عن التمازج الثقافي والاجتماعي الضارب في القدم، وعمق الأواصر التي تربط بينهما. كلها، مقومات تحتم توطيد العلاقة بين الدولتين وتفرض الإرتباط الأقرب إلى الوحدة التي تعزز التطلع إلى المستقبل والمصير المشترك، مما سيمكن البلدان من أن يصبحا قوة سياسية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية حقيقية قادرة على مواجهة تحديات التنمية، وإكراهات البقاء في نظام دولي مستقبلي لا يعترف إلا بالقوة. هكذا فقط، يستطيع البلدان الشقيقان تقديم إسهامها المشترك لمنطقتهما، ولقارتهما، وللعالم. أما الاعتقاد بقدرة كل منهما لوحده على البقاء فهو خطأ قاتل لكليهما.
ويلاحظ المتتبع للشأن الصحراوي من خلال زيارتي الرئيس إبراهيم غالي لموريتانيا للمشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي في يوليو 2018، ثم هذه الزيارة الثانية للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الموريتاني المنتخب، محمد ولد الغزواني في يوليو 2019، مدى الحفاوة الرسمية والشعبية الكبيرة خلال هاتين الزيارتين لما تمثلانه من صور الأخوة والترابط. فقد شهدت شوارع مدينة نواكشوط تجمع الجالية الصحراوية بموريتانيا صحبة المتضامنين الموريتانيين مع القضية الصحراوية، احتفالا بقدوم الرئيس إبراهيم غالي. كما ظل مقر إقامته حافلا بالزوار الشعبيين والرسميين طوال فترة إقامته هناك. وكل ذلك يدل على شيء واحد فقط: هو أن الشعب الصحراوي والشعب الموريتاني، بحق هما شعب واحد في جغرافيتين. وأن الدولتين الموريتانية والصحراوية “بيضتان في عش واحد” حقا كما قال الشهيد الولي مصطفى السيد ذات يوم.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام الدولة الصحراوية لا يجد حرجا مطلقا في تواجده جنبا إلى جنب مع ممثلي المملكة المغربية، فالذي يدعي نكران وجود الدولة الصحراوية هو النظام المغربي وليس العكس. وتعمل الدبلوماسية الصحراوية على تعزيز تواجدها بكل مكان، ولعل توفيق الرئيس إبراهيم غالي في حضور العديد من الفعاليات الدولية والقارية خلال السنتين الأخيرتين، قد ساهم إلأى حد كبير في تهشيم الدعاية المغربية إلى شظايا، ومنح الأصدقاء -وموريتانيا أهمهم- حجة دامغة تدعمت مواقفها الأخيرة ومنها مثالا لا حصرا دعوة الجمهورية الصحراوية رسميا على قدم المساواة مع المملكة المغربية لحفل تنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني. فمن غير المنطقي أن يقف ممثل المملكة المغربية، سعد الدين العثماني، إلى جانب الرئيس إبراهيم غالي في حفل تنصيب رئيس بنما، ويرفض القيام بالأمر نفسه بموريتانيا لأي سبب والحدثان متقاربان زمنيا!! لهذا سقط النظام المغربي في أكثر جِباب دعايته غورا، وتخلصت موريتانيا من أكثر المواقف مدعاة للصدام مع المغرب. بل، بات من الضروري على الدولة الموريتانية أن تفرض على المغرب احترام قراراتها السيادية، مثلما يفعل مرغما مع العديد من الدول حيث توجد سفارات الجمهورية الصحراوية دون أن يجرؤ نظام الرباط على الاعتراض على ذلك، مثلما هو الحال في مختلف دول أمريكا اللاتينية، وفي جميع الدول الأفريقية حيث تتعايش السفارتان، المغربية والصحراوية.
وتختلف مشاركة الدولة الصحراوية بقمة الاتحاد الأفريقي بنواكشوط عن المشاركة بحفل التنصيب، ذلك أن الأولى تعود لقوانين الاتحاد أولا وأخيرا، ولا تستطيع الرباط الاعتراض عليها، بينما تعتبر الزيارة الثانية دليل ترابط ثنائي وثيق، ويدا مبسوطة للمزيد من توثيق العلاقات وتطويرها، وممارسة موريتانية حقيقية لسيادتها في قراراتها، وخياراتها، ومواقفها. لهذا اعتقد أن الدعوة التي وجهتها موريتانيا للدولة الصحراوية لحضور حفل تنصيب الرئيس محمد ولد الغزواني تقطع مع ماض لا أريد أن أصفه بالفاتر، وربما متذبذب أو على الأقل غير مستقر، وتعلن عن مرحلة جديدة وهامة عنوانها: موريتانيا والجمهورية الصحراوية: أخوة، عهد ومستقبل مشترك لا محيد عنه.
النانة لبات الرشيد