من لم ينتج دواء للعقم ليس له مناقشة جمال المولود !
حين تكون الساحة الثقافية مقبرة جماعية للمبدعين من كل فن ، وسوقا سوداء للمطبلين للأنظمة الفاسدة يديرونها ببراغماتية القبلي الجهوي .. فيبخسون الجمال حقه طمرا ، وينشرون القبح ، ويعيدون تكريره ستين عاما دون اكتراث بكم يا شعب الله العظيم ، ولا اعتراض منكم على الأقل هبونا لحظة استماع حتى نبين لكم بآي الوجع ، وآه الفرح ما تشابه عليكم من خيلنا ببغال القوم .
إن رحلة الإبداع في موريتانيا رحلة سيزيفية يولد فيها المبدع من رحم المعاناة ليحبو ويتعلم الوقوف والمشي وحيدا دون أن تمتد له يد لتسنده ، وحين يتعلم الركض في براري الإبدع والتميز يعدم تهميشا وإقصاء ممن يفترض أنهم رعاة الإبداع والأوصياء عليه ، فيكون بذاك مثار تندر وتفكه من محيطه ومضرب مثل في الفشل ، وتعبيرا عن قيمة الإبداع في هذه الغابة .. وقد توالت أجيال المبدعين الموريتانيين على قضاء نحبها الفني وهم في أوج عطائهم !
وكحدث استثنائي جدا وبعد أن خيل أن لا منتصر لساحتنا الثقافية ومبدعيها أتى فارس على جواد الوطنية متشحا بملامح الثائر على أعراف وتقاليد التخلف ومقبلا غير مدبر على أعداء النجاح ومثليي التابوهات الذين شاخ صندوقهم ومستنقعهم ، وما شاخت رغبتهم في مواصلة حلب ضرع الثقافة ليعلن عن أول نزال حقيقي بين الجمال والقبح ، بين الشرفاء وأدعياء الشرف ، أرباب ماخور الاسترزاق ، تجار التابوهات فلم يقل أهل الإبداع وخاصته اذهب وقاتل .. بل انتصروا له وهم يرونه كما يرى الغريق يدا مدت له في آخر نفس .. وظهرا للظهر وصلوا معا التعب بالتعب ، والإرهاق بالإرهاق وما استبقوا لأنفسهم من راحتهم ، ولا ضنوا عليكم بشيء مما يملكون ليقولوا لكم إن الدراما الموريتانية ولو في هذه الظرفية الاستثنائية قادرة على أن تحبل وعلى أن تنجب مولودا وإن لم يكن بعيون زرق هوليودية ، وسحنة بوليودية ، ولا بهيئة تركية .. بل بتقاسيم غابة كتلك التي تعيشون فيها ؛ وزادوا رجاء أن تلتمسوا لهم العذر في كل تقصير ، وأن آراءكم على العين والرأس متمنيين لكم متابعة ممتعة .
فهلا إن انعدمت الوطنية تشجيعا وتصفيقا لهم على هذا المجهود الجبار احتفظتم ببقية أخلاق وتركتم التندر ولعب دور النقاد الفنيين الذين لا هم أنتم ، ولا أنتم همُ .. وتمتعتم بقليل إنصاف به لا تكونون مع تجار الثقافة ، ومجهضي الحلم الإبداعي ستين عاما عليهم وعليكم وعلى الوطن !
شكرا من القلب أسرة مسلسل الغابة على هذه القفزة للإمام .
قبعتي لك فؤاد الصفرة لتقديمك للجميع درسا وطنيا خالصا .
أكتب هذه الحروف ولا سابق معرفة ولا صداقة بيني وبين هؤلاء المبدعين .. لكنه الانتصار للوطن ، وحمية الإبداع ، والتعطش للجمال ما دفعني للكتابة .
محمد محمود الساسي