تابعت مقابلة المدير العام لشركة معادن الليلة البارحة على أثير الإذاعة الوطنية، واستغرب تركيز السيد المديرعلى المزايا الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر الجسيمة للنشاط، وغض الطرف عن سلبياته، و ما أكثرها، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر:
(1) السلبيات الصحية و البيئية، حيث يصاحب استخلاص الذهب بالطرق التقليدية استعمال لمواد الكيميائية الخطرة كالزئبق والسيانيد ذات تأثير سلبي وكبير على الصحة والبئية خاصة الزئبق الذي يعد ثابت بيئيا يبقى تأثيره، و يمتد لعقود مشكلا بذلك تهديدا حقيقيا لثروتنا السمكية، والحيوانية، فهو يتحول بمجرد إطلاقه في البيئة إلى مثيل الزئبق الذي يتراكم بيولوجيا في أجسام الكائنات الحية خاصة الأسماك؛
(2) من أجل إنتاج واحد الغرام من الذهب يتم استخراج أطنان من التراب التى تحتوي بعض المعادن الثقيلة السامة كالزرنيخ والزنك، وكذلك مجموعة الكبريتيدات التي تتفاعل مع الهواء في وجود الرطوبة مشكلة حمض الكبريتيك، الذي يعمل على إذابة هذه المعادن الثقيلة، وتصريفها مما يسمح لها بالعبور إلى المياه الجوفية والسطحية؛
(3) من سلبيات النشاط كذلك تخريب البيئة بحفر الآبار والأنفاق وقطع الأشجار وتلويث المياه السطحية ؛
(4) النشاط يؤدي إلى هجرة اليد العاملة للزراعة و التنمية الحيوانية، والانخراط في عمليات البحث عن الغناء السريع، وهذا خطير جدا على مستقبل الثروة الحيوانية عمود الاقتصاد الريفي، وخطير أيضا على الاستراتيجية الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب والخضروات؛
(5) النشاط قد يكون بوابة لسرقة وتدمير الآثار الموريتانية وقد شاهدنا قطعا نقدية تعود إلى العهد المرابطين تم العثور عليها في أماكن التنقيب ، هذا بالإضافة إلى سرقة النيازك والأحجار الكريمة؛
(6) في غياب المراقبة الأمنية المباشرة والجيدة قد يشكل وجود كم بشري كبير خطرا أمنيا كامنا خاصة مع وجود الأجانب من مجهولي الخلفيات، فلا ننسى أن المعادن كانت سببا في القلاقل التي حدثت في إفريقيا في التسعينيات من مشيليات الكوبالت في الغابون ومشيليات النفط في نيجيريا ومشيليا الذهب التي تحكم السودان وفي السراليون وغيرهم؛
(7) ومن السلبيات النشاط كذلك فتح مناطق جديدة للتنقيب في مناطق رعوية وزراعية، وحديث السيد المدير عن توافد أكثر من 1000 منقب على ولاية كوركول الرعوية والزراعية خطر حقيقي وجدي قد يتسبب في مشاكل بين المنمين والمزارعين المحليين والمنقبين وتخريب البيئة الزراعية والرعوية؛
(8) ومن السلبيات كذلك السلبيات الاجتماعية، حيث أن مدينة زويرات مثلا نزحت إليها أعدادا أكثر من سكانها في عدة أشهر فقط ، وهو ما شكل ضغطا على الخدمات والأسعار بل وخلق ظواهر اجتماعية جديدة مثل "أيتام الذهب ؛
(9) في بعض المناطق القريبة من مناطق التنقيب حاليا توجد مؤشرات كبيرة على وجود اليورانيوم، ومع العشوائية التي تطبع النشاط قد تشكل مشكلة كبيرة لأن استخراج تلك الصخور و طحنها و غربلتها قد يؤدي إلى تركيز اليورانيوم في الغبار الذي قد يصل إلى منافسهم وطعامهم وشرابهم وقد حدث مثل هذا في جنوب إفريقيا سابقا وكان كارثة صحية؛
(10) الإيجابيات الاقتصادية التي تحدث عنها السيد المدير تنطوي على هدر كبير لمورد من أهم الموارد الوطنية و أندرها، حيث تشير بعض المعطيات الخاصة إلى أن حوالي 30% فقط من الذهب المنتج بهذه الطريقة هي الكمية التي تعرف طريقها إلى البنك المركزي الموريتاني ، وهذا خطير جدا، و يخفي وراءه شبكة مصالح تضم جميع القطاعات المعنية بالنشاط، وقد بدأت ظاهرة أباطرة الذهب تلقي بظلالها على الساحة الوطنية السياسية والاقتصادية، ونتوقع احتلالهم للبرلمان الوطني خلال الانتخابات البرلمانية القادمة، وربما تتطور الأمور إلى ماهو أبعد من ذلك؛
(11) النشاط قد يصبح بوابة لتبييض أموال الفساد والمخدرات و الارهاب.
و كخلاصة نحمل حكومة التصريحات المتناقضة و التهرب من المسؤوليات(تصريحات السيد المدير، تصريح الوزير المعنى، تصريح وزير الاقتصاد و تصريح وزيرة البيئة) كل ما قد ينتج عن إطلاق العنان لهذا النشاط الذي يتسم بالعشوائية والطابع التخريبي البيئي والصحي، كما نطالب بالمزيد من التشريعات والقوانين المنظمة للنشاط لإضفاء الطابع الرسمي عليه مع المزيد من الإلتزامات بالمعايير البيئية والصحية و السلامة في أماكن إنتاجه ،و نتحفظ على فتح أماكن جديدة للتنقيب في الولايات الرعوية والزراعية في ظل عدم نضوج التجربة الموريتانية في هذا النشاط، وغياب القوانين والتشريعات، والنظم الضامنة لجعله أكثر سلامة و أقل تأثيرا على البيئة والصحة
الدكتور يربانا الحسين الخراشي